فصل: الخبرعن دولة الهواشم بمكة من بني الحسن وتصاريف أحوالهم إلى انقراضها.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبرعن دولة الهواشم بمكة من بني الحسن وتصاريف أحوالهم إلى انقراضها.

هؤلاء الهواشم من ولد أبي هاشم محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون ونسبه معروف وقد مر وكانت بين هؤلاء الهواشم وبين السليمانيين فتن متصلة ولما مات شكر ذهبت الرياسة من بنى سليمان لأنه لم يعقب وتقدم فيهم طراد بن أحمد ولم يكن من بيت الإمارة وإنما كانوا يؤملونه لإقدامه وشجاعته وكان رئيس الهواشم يومئذ محمد بن جعفر بن محمد وهو أبو هاشم المذكور وقد ساد في الهواشم وعظم ذكره فاقتتلوا سنة أربع وخمسين بعد موت شكر فهزم الهواشم بني سليمان وطردوهم عن الحجاز فساروا إلى اليمن وكان لهم بها ملك كما يذكر واستقل بإمارة مكة الأمير محمد بن جعفر وخطب للمستنصر العبيدي ثم ابتدأ الحاج من العراق سنة ست وخمسين بنظر السلطان ألب أرسلان ابن داود ملك السلجوقية حين استولى على بغداد والخلافة طلب منه القائم ذلك فبذل المال وأخذ رهائن العرب وحج بالناس أبو الغنائم نور الدين المهدي الزيني نقيب الطالبيين ثم جاور في السنة بعدها واستمال الأمير محمد بن جعفر عن طاعة العبيديين فخطب لبني العباس سنة ثمان وخمسين وانقطعت ميرة مصر عن مكة فعذله أهله على ما فعل فرد الخطبة للعبيديين ثم خاطبه القائم وعاتبه وبذل له أموالا فخطب له سنة اثنتين وستين بالموسم فقط وكتب إلى المستنصر بمصر معتذرا ثم بعث القائم أبا الغنائم الزيني سنة ثلاث وستين أميرا على الركب العراقي ومعه عسكر ضخم ولأمير مكة من عند ألب أرسلان ثلاثون دينارا وتوقيعا بعشرة آلاف دينار واجتمعوا بالموسم وخطب الأمير محمد بن جعفر وقال: الحمد لله الذي هدانا إلى أهل بيته بالرأي المصيب وعوض بيته بلبسة الشباب بعد لبسة المشيب وأمال قلوبنا إلى الطاعة ومتابعة إمام الجماعة فانحرف المستنصر عن الهواشم ومال إلى السليمانيين وكتب إلى علي بن محمد الصبيحي صاحب دعوتهم باليمن أن يعينهم على استرجاع ملكهم وينهض معهم إلى مكة فنهض وانتهى إلى المهجم وكان سعيد بن نجاح الأحوال موثور بني الصبيحي قد جاء من الهند ودخل صنعاء فثار بها واتبع الصبيحي في سبعين رجلا وهو في خمسة آلاف فبيته بالمهجم وقتله ثم جمع محمد بن جعفر أجنادا من الترك وزحف بها إلى المدينة فأخرج منها بني حسن وملكها وجمع بين الحرمين ثم مات القائم العباسي وانقطع ما كان يصل إلى مكة فقطع محمد بن جعفر الخطبة للعباسيين ثم جاء الزيني من قابل بالأموال فأعادها ثم بعث المقتدي سنة سبعين منبرا إلى مكة صنيعا استجيد خشبه ونقش عليه بالذهب اسمه وبعث على الحاج ختلع التركي وهو أول تركي تأمر على الحاج وكان واليا بالكوفة وقهر العرب مع جماعته فبعثه المقتدي أميرا على الحاج فوقعت الفتنة بين الشيعة وأهل السنة وكسر المنبر وأحرق وتم الحج ثم عاودوا الفتنة سنة ثلاث وسبعين وقطعت الخطبة للمستنصر وأعيدت للمقتدي واتصلت إمارة ختلع على الحاج وبعده خمار تكين إلى أن مات ملك شاه ووزيره نظام الملك فانقطعت الخطبة للعباسيين وبطل الحاج من العراق باختلاف السلجوقية وتغلب العرب ومات المقتدي خليفة بغداد وبويع ابنه المستظهر ومات المستنصر خليفة مصر وبويع ابنه المستعلي من إمارته وهو الذي أظهر الخطبة العباسية بمكة وبها ابتدىء أمره وكان يسقطها بعض الأحيان وولي بعده ابنه قاسم فكثر اضطرابه ومهد بنو مزيد أصحاب الحلة طريق الحاج من العراق فاتصل حجهم وحج سنة اثنتي عشرة وخمسمائة نظر الخادم من قبل المسترشد بركب العراق وأوصل الخلع والأموال إلى مكة ثم توفي قاسم بن محمد سنة ثمان عشرة وخمسمائة لثلاثين سنة من إمارته وكانت في اضطراب وتغلب وولي بعده ابنه أبو قليبة بمكة فافتتح بالخطبة العباسية وأحسن الثناء عليه بالعدل ووصل نظر الخادم أميرا على الركب ومعه الأموال والخلع ثم مات أبو قليبة سنة سبع وعشرين لعشر سنين من إمارته والخطبة للعباسيين وإمارة الحاج لنظر الخادم ثم كانت واقعة المسترشد مع السلطان مسعود ومقتله وتعطل ركب الحاج ثم حج نظر الخادم في السنة بعدها ثم بعثت أسماء الصبيحية صاحبة اليمن لأمر مكة قاسم بن أبي قليبة فتوعدته على قطع خطبة الحافظ وماتت فكفاه الله شرها وانقطع الركب العراقي في هذه السنين للفتن والغلاء ثم حج سنة أربع وأربعين نظر الخادم ومات في طريقه فولي مولاه قيماز واعترضه رهط من الأعراب فنهب الركب واتصل حج قيماز والخطبة لبني العباس إلى سنة خمس وخمسين قبله وبويع المستنجد فخطب له كما كان لأبيه المقتفي ثم قتل قاسم بن أبي قليبة سنة ست وستين وبعث المستضيء بالركب طاتغكين التركي وانقضت دولة العبيديين بمصر ووليها صلاح الدين بن أيوب واستولى على مكة واليمن وخطب له بالحرمين ثم مات المستضيء سنة خمس وسبعين وبويع ابنه الناصر وخطب له بالحرمين وحجت أمه بنفسها سنة خمس وثلاثين وكانت له آثار عظيمة ورجعت فانهت إلى الناصر بن عيسى بن قاسم ما اطلعت عليه من أحواله فعزله عن إمارة مكة وولى أخاه مكثر بن قاسم وكان جليل القدر ومات سنة تسع وثمانين السنة التي مات فيها صلاح الدين وضعف أمر الهواشم وكان أبو عزيز بن قتادة يناسبهم من جهة النساء فورث أمرهم وملك مكة من أيديهم وانقرضت دولتهم والبقاء لله.